يعد الدعم النفسي ضرورة حيوية للمجتمعات والأفراد الذين يمرون بظروف استثنائية مثل فقدان أحد أفراد الأسرة نتيجة الاعتقال أو القتل أو الحوادث السياسية أو الكوارث الطبيعية، ووفق الدراسات؛ فلقد تبين أن الضحايا الذين لا يحصلون على هذا الدعم يعانون من أمراض جسدية ونفسية كالاكتئاب والقلق مقارنة بالفئة التي تتلقى الدعم النفسي والاجتماعي؛ والتي تبين أن هذا الدعم يمثل لهم عاملاً يؤثر بشكل إيجابي في تحسن حالتهم الصحية، ويساهم في إعادة تكيفهم بشكل فعال مع البيئة المحيطة لهم.

لذلك قررنا أن يكون أول ما نكتب عنه هو ما اصطلح على تسميته طبيا بـ “متلازمة ما بعد الصدمة”، والتي كانت حتى سنوات قليلة ماضية مجهولة للكثيرين وغير معروفة تقريبا في عالمنا العربي إلا للمتخصصين فقط، ولكن مجريات الأحداث والتغيييرات السياسية كانت للأسف سببا في تعريف الكثيرين بها، إما لإصابتهم بها بشكل شخصي أو وجودهم في الدوائر المحيطة بمن أصيبوا بها من أفراد العائلة أو الأصدقاء أو العاملين في مجال حقوق الإنسان من محامين ومدافعين وغيرهم.

وسيعمل فريقنا وعبر سلسة متتابعة من المقالات وغيرها من الوسائل، بالتعريف بـ “متلازمة ما بعد الصدمة” وأعراضها وكيفية التعامل معها وتأثيرها على العلاقات المختلفة، ولكننا سنبدأ في السطور القادمة بسرد تجربة إحدى الزوجات وأسرتها مع زوجها الذي أصيب بـ “متلازمة ما بعد الصدمة” نتيجة تعرضه لتجربة إنسانية قاسية، وكيف تعاملت الزوجة مع الآثار النفسية الناتجة عن إصابة زوجها، وهذا في إطار محاولة التحدث بشكل عملي يعمل على توضيح ملامح تلك المعاناة، وهو الأمر الذي سيساعدنا في المقالات التالية.

تسرد الزوجة تجربتها قائلة:

“يظن الكثير من المهتمين بـ “متلازمة ما بعد الصدمة” أن تأثيرها يقتصر فقط على من تعرضوا لها،
في حين يتم إهمال جوانب أخرى لتلك المعاناة”.

حيث يعاني أفراد الأسرة من الشعور بالتوتر بشكل مستمر مما يشكل ضغطا عصبيا يستهلكهم نفسيا وعاطفيا، وقد يعانون أيضا من القلق والإحباط والاكتئاب بدرجات متفاوتة قد تصل ببعضهم إلى درجة إدمان بعض الأدوية المهدئة فقط للوصول للحظات من الراحة المفقودة.

هذا ما تفعله بك محاولتك المرهقة للتأقلم بشكل فعال مع المجهود الذي تبذله للعناية بمن تحب ومساعدته على التعامل مع ما يعانيه.

نعم قد يصل الأمر إلى درجة أن يقطع الشخص الذي تعرض لانتهاك أو تجربة قاسية شوطا طويلا في التأقلم، ولكن تظل معاناة أسرته ودوائره المحيطة به مستمرة دون أن ينتبه إليها أحد.

تكمل الزوجة حديثها قائلة:

المواقف المرهقة التي تحتوي على ضغوط من أي نوع مهما كانت بساطتها أو تفاهتها، قد تجعل زوجي يغضب بشدة ويتصرف بشكل عنيف أحيانا، لذلك أحاول دائما تجنب تلك المحفزات عن طريق اختيار التعامل مع تلك المواقف بنفسي دون اللجوء إليه، ولكن هذا يضع أعباءً إضافية على كاهلي ويجعلني أعيش شعور مستمر بالاستنزاف، أضيفوا إلى ذلك أنه في بعض الأحيان لا أستطيع فهم ما يفكر فيه زوجي حينما يقرر الإنغلاق على نفسه والتحول إلى حالة الصمت العاطفي.

في أوقات أخرى إذا لم نكن حذرين بالقدر الكافي فقد تشتعل الأمور بشكل مفاجئ ولأتفه الأسباب، بل وربما بدون سبب. حينها أتساءل بصدق ما الذي فعلته؟؟، ما هو خطأي؟؟

من الصعب جدا أن أذكر نفسي في تلك اللحظات، أن الأمر ليس له علاقة بي أو بأفعالي وإنما هو نتيجة لما تعرض له زوجي من أذى نفسي وجسدي، لذلك فإنه بعد انتهاء هذه اللحظات يكون الشعور الغالب علي هو الحيرة واليأس والتساؤل متى سينتهي كل هذا؟ وهل هناك أي أمل في تجاوز هذه اللحظة الصعبة من ماضينا؟

تقول الزوجة:

من تعرض لانتهاك أو موقف إنساني قاس هو الأكثر احتياجا بالطبع للمساعدة، لكن في نفس الوقت لابد من إعداد الدوائر المحيطة به وتوعيتها بشكل كاف ليصبحوا قادرين على التعامل بشكل أفضل حتى لا يتحولوا هم أنفسهم إلى جزء من المعاناة، لذلك فإن إعدادهم سيمكنهم من أن يصبحوا جزءً من الحل، ويجعلهم قادرين على تقديم الدعم بشكل أفضل.

لذلك وبعد معاناة استمرت لفترة طويلة، قررت أن أبدأ في أخذ مجموعة من الخطوات لتدعيم صحتي النفسية والعاطفية، فبدأت في طلب النصح وبعض الاستشارات، وتواصلت مع بعض مجموعات الدعم المتاحة ممن يعشن نفس تجربتي القاسية، وتعلمت منهم أنني لست السبب فيما يحدث، وتعلمت كيف أراعي أطفالي وأقدم لهم الدعم الكافي حين يحتاجونه والأهم أنني تعلمت أنني عندما أكون قوية سأعتني بزوجي وأدعمه بشكل أفضل.

أربع سنوات قد مرت ورحلتنا التي ظننتها يوما ستنتهي بشكل غاية في السوء أصبحت الآن منتظمة في كثير من جوانبها.

 بالطبع اصطدمنا بالكثير من العوائق، وأصبنا بإحباطات، ولكننا أيضاً نجحنا في تحقيق انتصارات.

في خضم هذه المعركة تعلمنا كيف نتأقلم، وكيف نبحث عن النجاح ليبقى زواجنا قويا، لكن الأمر استلزم منا أن نفهم أنها معركة يومية ويجب أن نستمر في خوضها دون يأس أو ملل.

 تعلمنا كيف نحول أسباب إحباطنا إلى وسائل تساعدنا على التقرب من بعضنا كأفراد أسرة واحدة، وكيف نستطيع معا العودة إلى حياتنا الطبيعية كما كانت من قبل.