مقدمة

تمرّ ذكرى مجزرة “رابعة العدوية” ونحن نسجّل أنماطا وأشكالا من الفساد والقمع، وإن كل هذه الأنماط لتخرج من مشكاة واحدة “المؤسسة العسكرية”  وما حولها من مؤسسات الأمن والمخابرات التي حاولت وتحاول إخفاء هذه الممارسات ومحوها من الذاكرة الجمعية عبر إخفاء الأدلة والتستر على المجرمين، ولو جرت العدالة مجراها لما وصلنا إلى كارثة مثل “رابعة العدوية”.

كانت ثورات الربيع العربي كاشفات  للأنظمة الحاكمة وعجزها عن تحقيق أدنى مفاهيم العدالة مثل محاسبة المباشرين لجرائم الانتهاكات وتتبع الأدلة وتوثيقها، ونتيجة لهذا الفراغ القائم فإننا في منظمة “نحن نسجل” ألزمنا أنفسنا برصد هذه الأدلة وتحليلها وتوثيقها إيمانا منّا بأن يوما ما ستحل العدالة علي جميع مرتكبي الإنتهاكات، يومٌ تخرج فيه بيانات “نحن نسجل” من رفوف المنصات التفاعلية إلى أيادي القضاة وقاعات المحاكم، أحد هؤلاء الذين غُيِّبت يد العدالة عنهم قسرا هو اللواء خالد ثروت المسؤول المباشر عن عدة انتهاكات جسيمة و أوامر بالقتل والإخفاء القسري ومن ثم الفساد المالي بلا شك، نحن نسجّل هذه الانتهاكات التي كان بطلها أحد المسئولين المباشرين عن إبادة رابعة ونحن في الذكرى السابعة لرابعة عسى أن يتحقق هدفنا البعيد في تحقيق العدالة يوما ما .

 

قصة اللواء ..  تاريخ ثروت ما قبل ثورة يناير

هو خالد عبد الوهاب محمد ثروت، المولود لخمسة عشر يوما خلت من عام ١٩٥٧، تخرّج وهو ابن واحد عشرين سنة من كلية الشرطة ليعمل خلال الفترة من ١٩٧٨ إلى ابريل ١٩٨٢ كضابط بقسم قصر النيل، في أبريل ١٩٨٢ التحق بالعمل بجهاز مباحث أمن الدولة برتبة “نقيب” ليكون المسؤولين عن إدارة متابعة ملف جماعة الإخوان المسلمين بجهاز أمن الدولة في بداية التسعينيات ويتدرج بعد ذلك في المناصب في إدارات مختلفة داخل جهاز أمن الدولة (التطرف، النشاط الداخلي، الاحزاب السياسية، الصحف الحزبية، النقابات). (1)

خلال الفترة من بداية عام ٢٠٠٦ إلى ٢٠٠٩، التحق بالعمل في إدارة جهاز أمن الدولة بمحافظة المنيا، ثم في أسيوط ليعُين بعد ذلك وكيلا للإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بمحافظة القاهرة.

خالد ثروت

مهام اللواء وجرائمه

اللواء خالد ثروت أحد المسئولين بشكل مباشر عن الجرائم التي تمت خلال ثورة ٢٥ يناير، ومنها قناصة وزارة الداخلية الذين استهدفوا المتظاهرين خلال أيام ٢٨ و٢٩ و٣٠ يناير ٢٠١١، وهو أيضا المسؤول المباشر عن الانتهاكات المروّعة ووقائع القتل التي شارك فيها الأمن الوطني في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بصفته رئيس جهاز الأمن الوطني، وتتأكد جسامة هذه المسؤولية لكون اللواء ثروت هو الجهة المباشرة لإصدار التعليمات للعناصر المنفذة للوقائع الآنفة الذكر وسنضيف زيادة على المصادر مقاطع توثق استهداف القناصة للمتظاهرين، كما أنه تلحق بهذه الجرائم كل أشكال التعذيب والإخفاء القسري التي تمت بأوامر منه أثناء عمله في جهاز أمّن الدولة والأمن الوطني. و قد كان اللواء ثروت أحد الشهود في محاكمة القرن .

تهديدات ما بعد الثورة

لم يتم عزل اللواء ثروت من وزارة الداخلية بعد ثورة ٢٥ يناير حيث كان واحداً من قيادات قليلة تم الإبقاء عليها في جهاز أمن الدولة(3)، وهو اللواء الوحيد الذي كان يعمل في جهاز أمن الدولة وتم الإبقاء عليه في الجهاز بعد إعادة هيكلته ليصبح أسمه جهاز الأمن الوطني وفي مقال منشور لمركز بروكينز بعنوان “تسييس إصلاح القطاع الأمني في مصر” يقول الباحث عمر عاشور في شهر مارس 2013:

“تتعامل الرئاسة مع مسألة إصلاح القطاع الأمني بطريقة تدريجية وغير ثورية إذ تفضل العمل في ظل قواعد النظام المعمول بها بدلا من تغييرها من الأساس، قام الرئيس مرسي بتعيين اللواء خالد ثروت مديرًا لجهاز الأمن الوطني في أكتوبر 2012، وشتان ما بين ذلك وبين “أخونة” جهاز الشرطة، جاء اللواء ثروت من قلب جهاز مباحث أمن الدولة سيء السمعة، وكان اللواء ثروت رئيسًا لإدارة “النشاط الداخلي” وهي إدارة عامة مسؤولة عن مراقبة والتحقيق مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، وفي وقت ما كان اللواء ثروت رئيسًا لمجموعة “مكافحة النشاط الإخواني” .(4)

وفي 14 مايو 2013 استنكر اللواء “وهو حينئذ مساعد وزير الداخلية” الوقفات التي تدعو إليها بعض الحركات الإسلامية ضد جهاز الأمن الوطني، مضيفا أنه سيتم اتخاذ إجراءات مشددة ضد من يريد زعزعة الأمن الداخلي، وقال:” إن عمل الجهاز بعد الثورة يقوم فقط على جمع المعلومات نافيا ما ردده بعض النشطاء باتصال الجهاز بهم للتحقيق معهم”، وقد توعد اللواء من تسول له نفسه تكدير الأمن العام في إشارة ضمنية للثوريين والإسلاميين.

 

خالد ثروت

اختلاسات اللواء

كما جرت العادة لا يمكن أن يقتصر عمل أجهزة الأمن على الانتهاكات القمعية من دون الغوص في عمليات الاختلاس والفساد المالي، وليس اللواء خالد ثروت بدعا من الألوية فقد رصدنا اسمه في بلاغات متعلقة بوقائع فساد مالي وهي على النحو التالي:

 

‎نشرت جريدة الوفد بتاريخ ٥ مارس ٢٠١١، ما يفيد أن اللواء خالد ثروت حصل بدون وجه حق على مبالغ مالية من وزارة التجارة والصناعة بلغت رقم ١٤٥ ألف جنيه وهذا على شكل مكافآت مالية تصرف له كل شهرين هو وقيادات أخرى في جهاز أمن الدولة وهذا في عام ٢٠٠٩، وقد قام العميد طارق عطية رئيس قطاع الشئون المالية والاقتصادية بالوزارة حينها بصرف تلك المبالغ(5) . كما نشرت جريدة اليوم السابع بتاريخ ٩ فبراير ٢٠١١ أيضاً ما أسمته فضيحة فساد مالي متعلقة بوزارة التربية والتعليم والتي كان يترأسها الوزير “أحمد زكي بدر” قبل ثورة يناير ٢٠١١، ووفق ما تم نشره فإن وزير التربية والتعليم قد أمر بصرف مكافآت مالية من خزانة الوزارة قيمتها ١٢٠ يوماً “راتب ٤ أشهر” إلى عدد من القيادات الأمنية بوزارة الداخلية تقديراً لمجهوداتهم في إنهاء مظاهرات موظفي قطاع شئون الكتب ضد الوزير وهذا في تاريخ ١٦ يناير ٢٠١١، وكان من ضمن القيادات الأمنية التي تم صرف مكافأة لها اللواء/ خالد ثروت (6).

ختاما

عُيّن اللواء سنة 2017 رئيساً لقطاع الأمن الاقتصادي تمهيداً لإحالته للمعاش ليتقاعد في نفس السنة ويحال لرغد من العيش خلافا لروح العدالة وتجاوزا لكل فلسفات القانون واستهانة بدماء المصريين التي تسبب بإراقتها بكافة الأشكال ومن خلال شتّى المناصب التي تبوأها (7)، لتمر علينا ذكرى ثورة يناير وذكرى رابعة والنهضة وغيرها… و لمّا تقتص العدالة لكرامة المغلوبين على أمرهم ولمّا نطيب خاطر أم ثكلى كان ولدها قد خرج يوما ولَم يزد على أن صدع بقوله : عيش حرية عدالة اجتماعية ، فكان للواء خالد ثروت رأي آخر وكنّا نحن نسجّل و سنظل ….