أمٌ، صنعت من ضعفها عًكازًا استندت عليه ووقفت أمام وحشِ الظلمِ الكاسر، وأقسمت ألا تضعُف أو تتراجع..

حملت هموم الحياةِ على كتفيها الضعيفين وواصلت، ربما التقيتها أنت مَرةً ولا تدري، فهي  من هؤلاء المجهولين في الأرضِ وأعمالهم جليةً في السماءِ..

أُمنا، أعتٌقل صغيرها ومَرِض عائلها حُزنًا عليه، فارتَدَت درعها وقررت المواصلة بعكازٍ رفيقٍ وجَسدٍ متعبٍ، فقضت ساعاتٍ من الليل في تنظيفِ المراحيضِ مقابل القليل..

وازنت بين رعايتِها لزوجِها ومتابعة فلذةَ كَبدِها، فكانَ قلبُها يقفز شوقًا وتتدفقُ بها النشوة بينما تُعِدُ له الزيارة..

تَحملُها ومعها بعض الأماناتِ، ثم تبدأ معاركها مع طريقِ سفرٍ لا يرحم، ومع هذا الثقل تتنقل من شارعٍ إلى شارع، ومن سيارةٍ إلى أخرى حتى تصلُ إلى سِجنٍ يضُم ألف حاجزٍ وجِدار بينها وبين ابنها..

تنتهكُ قواها الإجراءات، وألف يدٍ تمتد إلى ما تحمله حتى تصل وأخيرًا إليه، تسترق اللحظاتَ في كنفه لعل شقوقَ الفقدِ تمتلئُ، فتنسى ما ألَم بها لرؤياه، ويمر الوقتُ سريعًا، توصيه على نفسه وإخوته المعتقلين..

تَخرج إلى الحزانا ممن مثلها فتمسح دموعَ هذه وتُطيّب خاطرَ هذه، ثم تعود إلى عجلةِ الحياة التي لا ترحم راضية مُطمئنة..

 فلأمنا ولمثيلاتها من أمهاتنا نقفُ إجلالًا، لهن كل الاحترامِ والتقديرِ..

من قصة تضحيات وعطاء أم مصرية  استوقفت فريق “نحن نسجل” اثناء توثيقه الانتهاكات الخاصة بملابسات اعتقال ابنها على ذمة أحد القضايا ذات الطابع السياسي.